dimanche 11 septembre 2011

الثورة ، الثورة المضادة ، الاداءات ، وحقوق الانسان


 الثورة  ، الثورة المضادة ، الاداءات ، وحقوق الانسان
بقلــــــــــــــــم الاستــــــــــــــــــــــاذ مصطفى صخري
محام لدى التعقيب ومدرس جامعي

لا نزاع ان القاعدة القانونية عامة ([1]) ومجردة اذ يفترض حتما ان تطبيقها نسبي في المكان والزمان وعليه فان ذلك يختلف من دولة الى اخرى وعلى القاعدة القانونية ان تواكب حركة المجتمع وتطوره وطموحاته وتطلعاته .
وثورات الشعوب مختلفة في نتائجها وان تصطدم احيانا بثورة مضادة يتزعمها من له مصلحة في اجهاضها .
والقاعدة القانونية ليست صنما محنطا لذلك يجب كما تقدم ان تكون في خدمة الثورة واهدافها وان تلبي تطلع المتقاضي وهو امر يحتم تعديلها والغاءها عند الاقتضاء وسن قواعد قانونية جديدة من شانها خدمة المرفق القضائي بما في ذلك من معنى. فهو محمول على إيصال الحقوق الى اصحابها سواء في المادة الجزائية او المدنية او الجبائية او الشغلية او غيرها باقل كلفة وايسر السبل وفي زمن مختصر ومعقول. فالبطء في التقاضي دليل على ان المرفق القضائي لا يسير على الوجه المأمول منه .
كما ان المرفق القضائي محمول حتما بواسطة محاكمه الجزائية على ردع كل من أساء للمتضرر وذلك في محاكمة عادلة تتوفر فيها جميع الضمانات للمتهم والضحية. وفي الحقيقة فان ذلك لا يمكن ان يتجسد الا بإعادة صياغة نصوص قانونية كثيرة يجزم الجميع بعدم نجاعتها وقد كبلت المتقاضي والمحاكم ورغم ذلك فان المشرع اعرض عنها دون اي مبرر. وعلينا ان نقر ان ذلك قد اهدر حقوقا كثيرة دون ان نجد كما سلف سندا لفلسفته خاصة فيما يتعلق ببعض طرق الطعن كما سنرى. غير انه من المتجه التعرض للثورة المضادة (اولا ) ثم لضرورة مواكبة التشريع للثورة بما يكرس طموحاتها ( ثانيا )  .
اولا : " الثورة المضادة "

لكل ثورة اعداء يعملون على اجهاضها. وهو امر تحتمه مصالحهم باختلاف طبيعتها سواء كانت اجتماعية او اقتصادية او سياسية والمبررات عديدة ولا تحتاج الى التوضيح اذ انهم يرون في الثورة وما أتت به من تغيير في مختلف اوجه الحياة من شانه ان يتعارض وما اعتادوه من رغد عيش ونفوذ سياسي ومالي. الى جانب هؤلاء فان الثورة قد تولد اشخاصا آخرين تقودهم المصالح الضيقة والمطلبية الذاتية .
وفي الحقيقة فان الثورة المضادة اتخذت في تونس عدة مظاهر سلبية ومقيتة يطغى عليها الطابع الاجرامي والمطلبي احيانا. وهي مظاهر لا يمكن ان تدخل تحت حصر ويمكن اختزال البعض منها فيما يلي:
1-الإضرابات المفتوحة دون سابق اعلام ( جرائم ):
في الحقيقة وان كان الاحتجاج الحضاري حق لا يمكن ان ننكره بما انه وسيلة لابلاغ صوت من يرى في نفسه مظلوما فلا يجب ان يتحول الى شل نشاط المؤسسة او حرقها واتلاف الاملاك العامة والخاصة وهو امر لم يعد يحتاج الى برهان. فالاضرابات اضحت تشل مدنا ومرافق عمومية باكملها وعلى مدى يوم كامل واحيانا اكثر ! وليتصور المرء كم يكلف ذلك اليوم من خسارة للمجموعة الوطنية. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: الا توجد اي وسيلة اخرى من الاحتجاج غير شل حركة الاقتصاد واضاعة الملايين من الدنانير ؟
وما تجدر الاشارة اليه ان " المظلوم " على فرض انه فعلا كذلك اضحى هو الظالم المستبد في حق طالب الخدمة بصفة عامة والظالم لكل من له علاقة بالمؤسسة او الادارة والمتعاملين معها .
وما يزيد المرء حسرة انه تطالعك وسائل الاعلام باخبار اضحت عادية عن اضرابات فجئية مفتوحة بما انه لا اجل كما سلف لوضع حد لها. وهي اضرابات تشل نشاط مؤسسات عمومية بحجة تحقيق مطالب. وبغض النظر عن مدى وجاهتها من عدمه فانها نزيف ينخر اقتصادنا ويرهب المستثمر الاجنبي. فما ضر هؤلاء لو تم تاجيل مطالبهم الى ما بعد تكوين مجلس تاسيسي و ارساء دولة لها هيبتها وقوتها؟ وما ضرهم ان يضحوا كما ضحى اشخاص بدمائهم وأرواحهم في سبيل تحقيق هذه الثورة ؟
فبأي مبرر كما سلف هكذا يشل النشاط بمؤسسات حيوية سواء مؤسسات عامة او خاصة او مطارات؟ وما مبرر قطع طرقات وسكك حديد؟ فهل اننا امام مطالب مشروعة ام امام فوضى ممنهجة يحركها اشخاص لا يمكن ان يعدوا الا اعداء الثورة؟ والسؤال الجوهري الذي يفرض نفسه هنا: ما ضر هؤلاء المضربين أياما طويلة او المعتصمين داخل ادارات وامام وحدات انتاج ان يرفعوا الامر الى القضاء - على فرض انهم اصحاب حق ولم يتم الاستجابة لمطالبهم - او ليس ذلك تصرف حضاري؟
ونلفت الانتباه ايضا الى انه هناك من يلجأ الى الاضراب بصفة غير قانونية فمتى كان يشن هكذا:
-     دون اشعار مسبق؟
-     و مفتوح في المدة دون اي اعتبار لمصالح المواطن والمجموعة الوطنية بصفة عامة ؟ اوليس الاضراب المفتوح هو نهش للاقتصاد الوطني و اعدام لموارد الخزينة؟

والسؤال الذي يفرض نفسه ايضا كيف اتخذ قرار الدخول في اضراب مفتوح ؟
و في الحقيقة علينا ان لا ننسى ان الاضراب كحق نقابي مقدس له أحكامه اذ يفترض حتما عرض اي نزاع ينشأ بين المؤجر و العملة على اللجنة الاستشارية للمؤسسة قصد ايجاد حلول له ترضي الاطراف عملا بأحكام الفصل 376 من مجلة الشغل ([2]) و عند تعذر الصلح يطرح النزاع على المكتب الجهوي للتصالح وعند التعذر على تفقدية الشغل المختصة بالنظر و متى فشلت الهياكل المعنية في التوفيق بين العملة و مؤجرهم فإنه بالامكان اللجوء الى التحكيم عملا بأحكام الفصل 381 من مجلة الشغل ([3]).

وما تجدر الاشارة اليه ان شن الاضراب ومنع الموظف او العامل بصفة عامة من الدخول الى مركز الانتاج بصورة عشوائية يعد جريمة على معنى احكام الفصل 136 من المجلة الجزائية الذي جاء به: يعاقب بالسجن مدة ثلاثة اعوام وبخطية قدرها سبع مائة و عشرون دينارا كل من يتسبب او يحاول ان يتسبب بالعنف او الضرب او التهديد او الخزعبلات في توقف فردي او جماعي عن العمل او يتسبب او يحاول ان يتسبب في استمرار توقفه.

بقي ان نلفت النظر الى أن الفصل الرابع من الامر عدد 49 لسنة 1978 المؤرخ في 26 جانفي 1978 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ نص على ما يلي فيما يتعلق بالاضرابات:
يخول الاعلان عن حالة الطوارئ للوالي في المناطق و بحسب ما تقتضيه ضرورة الأمن أو النظام العام في ما يلي: ...
-      منع كل اضراب او صد عن العمل حتى لو تقرر قبل الاعلان عن حالة الطوارئ.

ولقد اكد فقه القضاء ان الاضراب غير الشرعي من شانه قطع العلاقة الشغلية دون ان يكون للعامل الحق في المطالبة باي تعويض فلقد جاء في ذلك المعنى بالقرار التالي الصادر عن الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب : يستخلص من احكام الفصول من 376 الى 387 من مجلة الشغل ان الاضراب يتمثل في توقف مجموعة من الاجراء معا عن العمل قصد تحقيق طلبات مهنية وهو يتم خلافا للعقد استمد شرعيته من القانون الذي خوله للاجراء وفق شروط واجراءات محددة باعتباره وسيلة تمكنهم من الدفاع عن مصالحهم والحصول على تعديل في شروط العمل في مجابهة ما يتمتع به المؤجر من وسائل تنظيمية واقتصادية تجعل من الاجير تابعا له .
-     ان الاضراب وان كان حقا من حقوق العملة الا ان ممارسته خلافا للشروط التي اتى بها القانون يجعله غير شرعي ويترتب عنها قطع العقد تعسفيا من طرف مرتكبه طبق الفصل 387 من مجلة الشغل.
-     ان رفض العامل للعمل المعروض عليه تطبيقا لاحكام الفصل 37 من الاتفاقية الاطارية المشتركة للشغل او للفصل الذي يقابله من الاتفاقية القطاعية يقصد بها الرفض الفردي لعمل محدد ولاسباب تتعلق بشخص رافض العمل في نطاق تطبيق احكام عقد الشغل وهو يعتبر هفوة فادحة اذا كان لاسباب غير وجيهة فيخول للمؤجر احالة ذلك العامل على مجلس التاديب لعزله وانهاء العقد طبق احكام الفصل 14 قديم من مجلة الشغل
-       طالما ثبت لدى محكمة الموضوع مشاركة المعقب ضدها في اضراب غير شرعي فانه لا مجال للقول بان المعقبة قد اطردتها تعسفيا لعدم احالتها على مجلس التاديب لان الاضراب غير الشرعي رتب عنه المشرع انهاء عقد الشغل من طرف العامل المشارك في الاضراب …( [4] )  
2- الاعتصامات وقطع الطرقات: " المظلوم -على فرض انه كذلك- اضحى ظالما":
الاعتصامات داخل الادارات والمؤسسات وعلى سكك الحديد والطرقات وببعض المطارات شكل آخــــــر من اشكـــــــال الاحتجــــــــاج ومظهر سلبي افرزته الثورة قد يتجاوز نصوص قوانين نافذة و اضحى يلجأ اليه البعض للاستجابة لطلبات فورية بغض النظر عن جديتها فقد تكون تعجيزية لا نص قانوني يسندها و تتجاوز سلطة الادارة المعنية و السلطة التنفيذية برمتها اذ قد يحتم الامر تدخل المشرع لتنقيح نص قانوني.

و هذه الاعتصامات العشوائية والمفتوحة خنقت السير العادي للحياة والمرافق العامة واعطت صورة سوداء لتونس وثورتها لذلك فبقدر ما يجب المطالبة بالحقوق بصفة حضارية و قانونية متى كانت وجيهة فإن سلاح الاعتصامات الطفيلية يعد جريمة يختلف تكييفها القانوني حسب الوقائع وتجب محاكمة كل من عطل سير المرافق العامة .

وما نلاحظه ان هناك من يعتصم ويضرب عن العمل اياما طويلة ويعتصم بالادارة للمطالبة بالترفيع في اجره ومضاعفته متناسيا ان العديد من التونسيين من اصحاب الشهائد العليا لازال يعاني الفاقة والبطالة. او ليس هؤلاء احق بالانتداب ورصد اموال لهم ؟

وفي الحقيقة فانه وان كان لكل عامل وموظف الحق في الترسيم و الاجرة المناسبة لمجهوده والترقية والتغطية الاجتماعية فان ذلك يجب ان يكون وفق احكام القانون و الحوار والمفاوضات الاجتماعية لا عن طريق الفوضى.

3-التخريب ونهب الاملاك العامة والخاصة والاعتداء على الاشخاص :
عديدون هم في الحقيقة الذين يخربون وينهبون الاملاك العامة والخاصة ويعتدون على الاشخاص اذ بـــــأي مبـــــــرر تحــــــــرق المراكز الامنية و بعض المحاكم و المعاهد و المستشفيات والمحلات التجارية و تضرم النار في بعض السجون؟ او ليست تلك مؤسسات عمومية ؟
وعلى النيابة احالة هؤلاء المجرمين بالجرائم المقترفة منهم كان تكون اضرارا بملك الغير وسلبا للاملاك فقد تشكل افعالهم جرائم سرقة مجردة او موصوفة او اضرام نار او تعطيل حرية الخدمة او ما الى ذلك من الجرائم التي قد تاخذ وصفا جنائيا كما هو الحال لتشارك مفسدين للاعتداء على الاشخاص والاملاك التي جرمها المشرع بالفصول 131 و 132 و 134 و 135 من المجلة الجزائية. كما على المحاكم ان تتشدد في العقوبات المسلطة عليهم ليتحقق الردع الخاص والعام فالمجتمع يروم القصاص منهم فهو ينشد الامن والامان .

يتضح مما تقدم ان الفوضى عدوة الثورة وهو امر يحتم على السلطة التنفيذية التصدي لها وعلى السلطة القضائية ايضا ان تكون حازمة في تطبيق نص القانون على كل من اجرم في حق المجتمع .


ثانيـــــــــــــــــــــــــــا :
 التشريــــــــــــــــــــــــع والثــــــــــــــــــــــورة :

كما تقدم فان نصوصا قانونية عديدة في حاجة لمراجعة اكيدة بما يكفل ردع المجرمين ويضمن حقوق الانسان ويكرس الحريات العامة واستقلال القضاء وحصانة الدفاع في علاقة وثيقة بين المحامي والقاضي علاقة يسودها الاحترام المتبادل .

1-        وجوب مواكبة القوانين متطلبات الثورة وتحدياتها وطموحاتها:
وهو امر يحتم سن قوانين جديدة من شأنها ان تواكب ما تشهده تونس من تغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية فرضتها الثورة. ولعل الحاجة ملحة ايضا في وجوب اصدار قوانين من شانها ان تعجل بمحاكمة من ثبت قطعا انه اساء للبلاد والعباد خلال الفترة السابقة للرابع عشر من جانفي 2011 وذلك بان يضبط اجلا معينا يلزم قاضي التحقيق والمحكمة بالنظر في القضية على اختلاف المراحل التي تمر بها مع وجوب التاكيد على ان تتوفر لكافة المتهمين الضمانات اللازمة وان يحظوا بمحاكمة عادلة وشفافة وعلنية يحترم فيها حق الدفاع حتى لا ينالهم اي حيف وان ثبتت ادانتهم يجب ان يكون العقاب متناسبا مع خطورة الجرم و ملابسات القضية.

2-        وجوب سن قوانين صارمة لردع المجرمين :
لا يمكن للقاعدة القانونية في المادة الجزائية ان تعد ناجعة الا متى كان من شان العقاب المنصوص عليه بها ان يحقق الردع الخاص للمتهم الذي اجرم في حق ضحيته والمجتمع وكذلك الردع العام بما انه من شان العقوبة المتخذة ضد المجرم ان تكبح جماح من تخوله نفسه الاعتداء على الاشخاص او الاملاك  .
ولا يمكن ان يتحقق ذلك الا متى كانت المحاكم حازمة في احكامها. ويجب تسريع المحاكمات التي من شانها ايضا بعث الطمأنينة لدى العموم دون اخلال بحقوق الدفاع .
وما يلاحظ على صعيد التجارب المقارنة ان فرنسا مثلا قد تشددت ابان ثورتها في تجريم الاعتداء على الطرقات والسرقات الموصوفة وصفا جنائيا التي تصل العقوبة فيها الى الاعدام وهو ما كرسه القانون الصادر في 18 جانفي 1798 المتعلق بالسرقات والاعتداءات بالطرقات الكبرى. ([5] )

  3 - وجوب سن قوانين في اطار تكريس حقوق الانسان و الحريات العامة:
لا نزاع ان تونس عاشت فترة سوداء من تاريخها قبل الثورة ضرورة ان النظام السابق قد فرض حالة من الترهيب و خنق الحريات و خرق نصوص الدستور و المواثيق الدولية التي تكرس حقوق الانسان و عليه فمن الحتمي اصدار قوانين ترسخ بصفة فعلية و حقيقية الحريات العامة لرد الاعتبار للمجتمع بما يضمن عيشا كريما في ظل دولة عتيدة تكرس سيادة القانون و استقلال السلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية.
و في الحقيقة فإن دساتير العالم و مواثيقه الدولية تنص صراحة على وجوب احترام كافة الدول الحريات العامة و حقوق الانسان بما يؤسس لمجتمع مدني ديمقراطي. و كما سلف فإن المؤتمرات الدولية قد حرصت على التنصيص على ذلك. ([6])
و يمكن ان نلخص الحريات العامة وحقوق الانسان و ما يجب ان تضمنه الدولة لمواطنيها كما يلي بغاية الايجاز:
-     حرية الراي و التعبير و الصحافة و النشر و الاجتماع و التنظم السياسي والاجتماعي
-     الحرية الثقافية و الفكرية
-     حرية التنقل
-     ضمان استقلال القضاء
-     الحق في محاكمة عادلة
-     ضمان حق التعليم و العمل
-     ضمان حق المشاركة في الحياة السياسية
-     الحق في التنظم النقابي و الاضراب
-     الحق في الامن و السلامة الجسدية
-     حق العيش في محيط نقي
-     تكريس حرمة المسكن و المراسلات و الاتصالات
-     عدم الكشف عن خصوصيات الفرد وحياته الخاصة.
4     - احداث جهاز رقابي على دستورية القوانين :
ان احداث جهاز فاعل وناجع يراقب مدى دستورية القوانين امر حتمي والمجال لا يتسع هنا لتعداد عدة نصوص قانونية تتعارض مع احكام الدستور و المواثيق والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها تونس خاصة ان بعض القوانين تتعارض مع الحريات العامة التي تكفلها كافة دساتير العالم والمواثيق الدولية. ويمكن ان نشير هنا الى البعض منها على سبيل المثال لا الحصر :
-     القانون المتعلق بالجمعيات وهو القانون عدد 157 لسنة 1959 المؤرخ في 7 نوفمبر 1959
-     القانون عدد 32 لسنة 1975 المؤرخ في 28 افريل 1975 المتعلق بمجلة الصحافة
-     القانون عدد 82 لسنة 1988 المؤرخ في 3 ماي 1988 المتعلق بالاحزاب السياسية .
كما تجدر الاشارة الى ان فقه قضاء محكمة التعقيب لا يقر مطلقا الحق للمحاكم في ممارسة رقابة على دستورية القوانين. فلقد جاء في ذلك المعنى بالقرار التالي: ان الدستور التونسي لم يتعرض في احكامه الى امر مراقبة دستورية القوانين بإعتبار ان كل سلطة تقوم بدورها الطبيعي من غير ان تتداخل احداها باي وجه من الوجوه في شؤون الاخرى الا بما يساعد على التعـــــــــــاون فيما بينها و على تحقيق سلامة التنسيق و حسن التطبيق و بما يحقق ارادته الصحيحة و انه تفريعا على ذلك لا يجوز للقضاء العادي المكلف اساسا بتطبيق القوانين ان يتطرق الى موضوع دستوريتها لان ذلك يؤول به الى الحكم عليها الامر الذي يشكل تجاوزا لحدود سلطته. ( [7] )

5- الثورة و النصوص الجبائية و توظيف الاداءات :
كثيرة هي النصوص الجبائية التي جاءت لتكبل المطالب بالاداء لصالح الادارة و تغيب فيها العدالة الجبائية. وفي الحقيقة وان كان اداء الضرائب واجب وطني علينا جميعا ان نوفي به فالمشرع مطالب بان يراعي معادلة تامة الشروط بين المطالب بالاداء وادارة الجباية وهو ما يتضح مما يلي:

أ- الاثبات في النزاع الجبائي:
لقد خالف المشرع في النزاع الجبائي القواعد العامة في الاثبات المنصوص عليها خاصة بالفصول 420 و 421 و 427 من م ا ع. فلقد اقر فقط الاثبات بالكتابة والقرائن والاقرار ومنع على المحاكم اعتماد الاثبات باليمين وشهادة الشهود وذلك عملا باحكام الفصل 64 من مجلة الحقوق والاجراءات الجبائية الذي جاء به : لا يمكن للمحكمة اعتماد طرق الاثبات الواردة بالفصل 427 ثالثا وخامسا من مجلة الالتزامات والعقود لاثبات ادعاءات الاطراف المتعلقة بالقضية.
 وهذا الفصل فيه حد لسلطة القاضي في تقدير وسائل الاثبات المحتج بها من قبل المطالب بالاداء وكان احرى ترك الاجتهاد للمحكمة حسب وقائع كل قضية .


ب- تخصيص الدائرة الجبائية دون الدوائر المدنية بالنظر في ابطال الاعلامات و المحاضر و اعمال التبليغ في المادة الجبائية :
نص على ذلك الفصل 54 من مجلة الحقوق والاجراءات الجبائية الذي ورد به ما يلي:  تختص المحاكم الابتدائية بالنظر ابتدائيا في الدعاوى المتعلقة بالاعتراض على قرارات التوظيف الاجباري للاداء او المتعلقة باسترجاع الاداء .
كما تختص هذه المحاكم بالنظر في الطعون في اعمال التبليغ والاستدعاءات والاعلامات وغيرها من الاجراءات المتصلة بالتوظيف الاجباري للاداء او باسترجاع الاداء وذلك في اطار الدعاوى المشار اليها بالفقرة الاولى من هذا الفصل. ( [8] ) 
وفي الحقيقة وان كان المشرع يروم من ذلك عدم اطالة امد النزاع المتعهدة به الدائرة الجبائية بما انها التي تختص حكميا بالطعن بالاعتراض في قرار التوظيف فان الاصل ان تتعهد الدائرة المدنية بالمحكمة الابتدائية بالنظر في الطعون المتعلقة بإبطال الاعلامات واعمال التبليغ المحررة من مصالح الجباية خاصة ان لكل دائرة تخصصها. اضافة لذلك ففي احترام تخصص القاضي ضمانة للمتقاضي ويتجه والحالة تلك تنقيح ذلك النص الجبائي. ( [9] )




ج-  الاداءات الجبائية والفوترة المغلوطة:
- فوترة الهاتف: اداء محمول على مشغلي شبكات الاتصال و يوظف على صاحب الخط الهاتفي
ما يلاحظ ان بعض فواتير الاستهلاك او الخدمة بصفة عامة تحمل عدة اداءات في حاجة لمراجعة بما يحقق الشفافية المطلوبة و التطبيق السليم للنص الجبائي من ذلك ان مشغلي الهاتف يسلطون اضافة للاداء على القيمة المضافة اداء اخر يسمونه اداء على "الاتاوات " رغم انه محمول عليهم  في الحقيقة ويوظفونه دون وجه حق على صاحب الخط الهاتفي سواء كان الهاتف القار او الجوال وهو ما يشكل خرقا صريحا لاحكام الفصل 68 من القانون عدد 123 لسنة 2001 المؤرخ في 28 ديسمبر 2001 المتعلق بقانون المالية لسنة 2002 الذي ورد به : تحدث لفائدة صندوق تنمية المواصلات اتاوة بنسبة 5 بالمائة من رقم معاملات مؤسسات الاتصالات السلكية واللاسلكية التي لها صفة مشغل شبكة اتصالات كما تم تعريفها بالفصل الثاني من القانون عدد 1 لسنة 2001 المؤرخ في 15 جانفي 2001 المتعلق باصدار مجلة الاتصالات وذلك باعتبار جميع المصاريف والاداءات والمعاليم بما في ذلك الاداء على القيمة المضافة وباستثناء الاتاوة المذكورة .
وتدفع الاتاوة واعتمادا على تصريح حسب نموذج تعده الادارة يودع لدى قابض المالية المختص خلال الثمانية وعشرين يوما الاولى من الشهر الموالي للشهر الذي انجز فيه رقم المعاملات .
وتطرح الاتاوة من قاعدة الضريبة على الشركات .
و نشير هنا الى ان احكام الفصل 69 المذكور قد دخلت حيز التنفيذ ابتداء من غرة جانفي 2003.
و ما يلاحظ ان تلك الاحكام صريحة في وجوب ان يتحمل مشغلو الهاتف "الاتاوة" المذكورة المحددة كما سلف بـ 5% من رقم معاملات مؤسسته و عبارة القانون جاءت مطلقة هنا و هي تسري على اطلاقها عملا بأحكام الفصل 533 من م اع وعليه فلا اجتهاد في قراءة النص و ليس من العدل في شيء ان يستمر مشغلو شبكات الاتصال في تسليط ذلك الاداء على اصحاب الخطوط الهاتفية.
والسؤال الذي يطرح نفسه: باي مبرر هكذا يفوتر مشغلو الهاتف على حرفائهم ذلك الاداء الذي من الحتمي ان يتحملوه بنص القانون خاصة ان النص صريح في انهم يدفعونه على ضوء رقم معاملاتهم ويقع طرحه من قاعدة الضريبة على الشركات ؟
وفي الحقيقة فان المجال لا يتسع هنا للتعرض للكثير من نصوص القوانين الجبائية التي تثقل كاهل المطالب بالاداء دون سند وفيها هضم لحقوق دفاعه في الدعوى الجبائية خاصة انه الطرف الضعيف في النزاع فالادارة تجد نفسها صاحبة المركز الاقوى وفق احكام مجلة الحقوق والاجراءات الجبائية .

-  فوترة الاداء المتعلق بالاذاعة و التلفزة: انعدام العدالة الجبائية
احدث ذلك الاداء بموجب الفصول 25، 26، 27، 28 من القانون عدد 66 لسنة 1979 المتعلق بقانون المالية لسنة 1980 و لقد ورد بالفصل 25 المذكور: احدث ابتداء من غرة جانفي 1980 لفائدة الاذاعة و التلفزة التونسية مساهمة تقع تأديتها من طرف المشتركين في شبكة الكهرباء الخاص بالتنوير المنزلي".

و الملاحظ انه وقع تنقيح الفصل 25 المذكور اعلاه بموجب قانون المالية لسنة 1983 ثم نقح الفصل 26 المشار اليه اعلاه بالفصل 73 من قانون المالية لسنة 1992 الذي وسع من قائمة المشمولين بدفع ذلك الاداء فلقد اضحى الفصل 25 المذكور ينص على ما يلي:  احدثت بداية من غرة جانفي 1983 لفائدة الميزانية الملحقة للاذاعة و التلفزة التونسية مساهمة تقع تأديتها من طرف كل المشتركين في شبكات الكهرباء ذات الضغط المتوسط و المنخفض بإستثناء التسخين والاستهلاك الفلاحي و التنوير العمومي.
و ما يلاحظ في اعتقادنا في شأن الاداء المذكور ما يلي:
1- انه حان الوقت لالغائه خاصة انه كان احدث لدعم ميزانية الاذاعة والتلفزة بإيجاد موارد لها في غياب موارد اخرى كالاشهار في تاريخ صدور القانون المذكور
2- ان فرضه على مستهلك الكهرباء كما سلف و حسب استهلاكه يتعارض وقاعدة تساوي المطالبين بالاداء في الحقوق و الواجبات فالقياس المعتمد لا شفافية او موضوعية او مصداقية فيه و لقد جاء ضبابيا و ما ادرانا ان مستهلك الكهرباء قد شاهد بث التلفزة الوطنية او استمع الى الاذاعة التونسية خاصة و ان البث التلفزي اضحى بواسطة الاقمار الاصطناعية؟  و بناء على ما تقدم فإنه من المتجه الغاء ذلك الاداء.

-     توظيف طابع السفر (اداء يتعارض و حقوق الانسان حرية التنقل):
ان توظيف اداء على كل تونسي يسافر خارج البلاد التونسية بإستثناء دول المغرب العربي يتعارض مع احكام المواثيق و المعاهدات الدولية و الدستور بما ان حرية التنقل مكفولة دون اداء أي دفع و عليه فذلك الاداء لا دستورية فيه وحري بأن يلغى علما و ان كثيرا من الدول تلزم الاجانب الذين يزورونها بأداء مبلغ معين عند مغادرتهم ترابها و هو اداء يبرر بأن الاجنبي سواء كان قد اتى في سياحة او عمل قد انتفع بخدمات الدولة من امن و رعاية و ما الى ذلك وهو امر لا شائبة فيه و الحالة تلك.
د- عن ضرورة سن عفو جبائي:
علاوة على وجوب تنقيح عدة نصوص في المادة الجبائية بما يحفز المبادرة الفردية و يعزز الاقتصاد الوطني و يحقق العدالة الجبائية المنشودة فإنه من الحتمي اصدار عفو جبائي لما يحققه من سيولة للخزينة هي في امس الحاجة اليها الآن و لقد ثبت سابقا نجاعة سن عفو تشريعي جبائي عام. و لعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا: اما كان احرى اصدار مرسوم في العفو الجبائي بدل مرسوم عفو في مادة الشيكات ([10]) لم يصدر مثيل له من سابق بما انه اضحى يهدد مصالح المستفيد بأن نزع الصبغة الجزائية للصك و لم يعد ساحب الصك المنتفع بالعفو يخشى من عقوبة جزائية حتى وان لم يقم بخلاص المستفيد؟
و في رأينا فذلك العفو لا يخدم مصلحة احد باستثناء المجرم و اكبر متضرر منه هو المستفيد من الصك و الاقتصاد الوطني. و لقد حرص المرسوم المذكور على مكافأة الساحب بتمتيعه بعفو عام رغم انه سيئ النية بإعتراضه على خلاص صك في غير الصور القانونية أي سرقة الصك او ضياعه او تفليس حامله عملا بأحكام الفصل 374 من المجلة التجارية.
و من الثابت هنا ان الجبر بالسجن لازال نافذا تطبيقا لاحكام الفصل 343  من مجلة الاجراءات الجزائية متى تقاعس المحكوم ضده بخطية للدولة على  خلاصها ([11]) وهو ما يؤكد ان المرسوم المذكور اعلاه قد فرط في حقوق المستفيد من الصك حتى و ان نص على ان العفو لا يمس من حقوق المستفيد الذي سيجد نفسه يتقاضى امام القضاء المدني و ما يعني ذلك من صعوبة التنفيذ على مكاسب ساحب الصك علاوة على بطء التقاضي. و نأمل ان يقع تلافي ذلك بأن يقرن تمتيع مصدر الصك بالعفو بالادلاء بشهادة خلاص المستفيد من الصك و في ذلك عدل و حفاظ على مصداقية الصك في التعامل.

ه- عن ضرورة تنقيح نصوص جبائية:
يمكن القول بناء على ما تقدم ان بعض نصوص القانون في المادة الجبائية في حاجة اكيدة للتنقيح بما يضمن ما يلي:
أ‌-        تحقيق العدالة الجبائية
ب‌-    تخفيف العبء الجبائي بما يساهم في تشجيع الاستثمار الوطني والاجنبي
ج- مراجعة نسبة الاداء المشطة على بعض الانشطة و وجوب ان تكون متساوية في المهن المتشابهة كالمهن الحرة.


6- حقوق الضحية في الدعوى الجزائية ( حقوق منقوصة ) :
ان المشرع مدعو الان الى اعادة النظر في المنظومة التشريعية المتعلقة بحق المتضرر في الدعوى الجزائية. فلقد كبله بقيود في ممارسة طعنه في الاحكام الجزائية وكثيرا من المحاكم تعيق حق المتضرر في تتبع الدعوى الجزائية متاثرة بنصوص تشريعية من ذلك انها ترفض اثناء تعهدها ببعض الطعون ان يقدم المتضرر سواء شخصيا او بواسطة محام ملحوظات كتابية في دفاعه وذلك سواء عند اعتراض المتهم على حكم غيابي صدر في دعوى جزائية لم يقع فيها القيام بالحق الشخصي او كذلك عند بت المحكمة الاستئنافية في الطعن بمقولة انه غير مستانف او انه لم يقم بالحق الشخصي بالطور الابتدائي.
 وما يلاحظ في ذلك ان ما تتبناه بعض المحاكم غير سليم ضرورة انه وان كانت القاعدة الاصولية انه لا يضار الطاعن بطعنه وانه لا يمكن القيام بالحق الشخصي بالطور الاستئنافي تطبيقا لاحكام الفصل 42 من مجلة الاجراءات الجزائية لما فيه من حرمان للمتهم من ممارسة حقه في مناقشة دفوعات القائم بالحق الشخصي على درجتين فانه لا نص قانوني يمنع المتضرر او القائم بالحق الشخصي حتى و ان لم يطعن في الحكم من اضافة تقرير للمحكمة حول ادانة المتهم خاصة انه لا يتضمن طلبات مدنية.

وعلى المشرع في اطار دعم حقوق الضحية في التقاضي الجزائي ان يكرس ذلك بسن نصوص قانونية جديدة اذ لا مبرر مطلقا لاقصاء حق المتضرر في تتبع جلاده وبربط ذلك بمشيئة النيابة. ونسوق ذلك مع التذكير ان محكمة التعقيب قد اكدت في الكثير من قراراتها كما تقدم انه ليس للقائم بالحق الشخصي الطعن بالاستئناف او التعقيب في الاحكام الصادرة ببراءة المتهم والتخلي عن الدعوى الخاصة في قراءة لاحكام الفصل 170 من مجلة الاجراءات الجزائية الذي جاء به : اذا رأت المحكمة ان الفعلة لا تتالف منها جريمة او انها غير ثابتة او انه لا يمكن نسبتها الى المتهم فانها تحكم بترك سبيله.
و اذا كان هناك قائم بالحق الشخصي تتخلى المحكمة عن النظر في الدعوى الشخصية وتحمل عليه المصاريف بعد تقديرها.
و اذا رأت المحكمة ان الفعلة تتكون منها جريمة فانها تصدر حكما بالعقاب.
و رغم ان محكمة التعقيب كانت اصدرت اكثر من قرار بدوائرها المجتمعة عن حق المتضرر القائم بالحق الشخصي في الطعن في قرارات حاكم التحقيق القاضية بالحفظ لعدم وجود جريمة دون مؤازرة النيابة لان من شان ذلك احياء الدعوى الجزائية ومناقشتها من دائرة الاتهام فانها ترفض ان يمارس القائم بالحق الشخصي ذلك الحق فيما يتعلق بالطعن في الاحكام وهو تمييز لا نجد له في الحقيقة مبررا مقنعا  .
ولقد ورد بالقرار التالي الصادر عن الدوائر المجتمعة بخصوص حق القائم بالحق الشخصي في الطعن في قرار حاكم التحقيق القاضي بحفظ التهمة الموجهة للمتهم حتى وان لم تطعن النيابة في ذلك القرار :
-ان حق استئناف القائم بالحق الشخصي في الطعن في قرارات قاضي التحقيق يندرج ضمن الحق في التقاضي وهو من الحقوق الاساسية التي تتساوى فيها جميع اطراف النزاع وتاسيسا على ذلك فانه لا يشترط لقبول استئناف القائم بالحق الشخصي لتلك القرارات سوى احترام اجل الطعن والاجحاف بالحقوق المدنية.
- لا موجب لمعاضدة النيابة العامة له في ممارسة ذلك الحق ضرورة ان طعنه بمفرده من شانه احياء الدعويين المدنية والجزائية بالقدر اللازم لتحديد المسؤولية المدنية للمتهم.
- ان لذلك الطعن بخصوص الدعوى الجزائية نفس الاثار التي لاستئناف النيابة العمومية فيؤدي الى اعادة النظر في الادلة وتقديرها وتطبيق القانون عليها وبيان ما اذا كان القرار المستانف قد اجحف بالحقوق المدنية للقائم بالحق الشخصي ام انه لم يجحف بها فالقائم بالحق الشخصي امام حاكم التحقيق او امام دائرة الاتهام ليس له طلبات مالية مهما كان نوعها وانما هو حاضر لممارسة حقه في مشاركة النيابة العمومية اثبات التهمة بما يخدم حقه مستقبلا في طلب التعويض امام محاكم القضاء.
- ان اشتراط دائرة الاتهام لقبول استئناف القائم بالحق الشخصي قرار الحفظ الصادر عن قاضي التحقيق والمجحف بحقوق المدنية مساندة النيابة العمومية له يعد خرقا لاحكام الفصل 109 من م ا ج .( [12] )

وفي الحقيقة فان المبادئ الواردة بهذا القرار ناطقة بان طعن القائم بالحق الشخصي من شانه احياء الدعوى الجزائية وعليه فلا مبرر لتقييد حقه في الطعن في الاحكام الجزائية الصادرة ببراءة المتهم بطعن النيابة.

والمشرع ملزم في رأينا بان يتدخل حالا لتنقيح مجلة الاجراءات الجزائية بما يمكن القائم بالحق الشخصي من ممارسة حقه في تتبع المتهم بالتنصيص على ان طعنه حتى وان كان دون مؤازرة النيابة يمكن المحكمة المتعهدة بالطعن سواء كانت دائرة اتهام او محكمة استئنافية او تعقيب من البت في الدعوى الجزائية من مختلف جوانبها. فالمساواة بين الاطراف في المادة الجزائية يجب ان يتمتع بها القائم بالحق الشخصي - أي الضحية الطرف الضعيف في الدعوى بما انه قد سلط عليه ظلم - والمتهم خاصة وان المجتمع ينتظر من المحكمة تسليط عقاب رادع على هذا الاخير بما يشفي الغليل. وعلى المشرع ان يحرص على احداث "طفرة " تشريعية صلب احكام مجلة الاجراءات الجزائية بحجم هذه الثورة وذلك بما يكفل حقوق الانسان بصفة عامة والمتضرر بصفة خاصة واحداث صندوق يتكفل بدفع التعويض المحكوم به للقائم بالحق الشخصي لعجز المتهم او المسؤول المدني عن الاداء عن الجرائم المرتكبة خاصة وان كثيرا من الاحكام الجزائية تصدر لفائدته بالزام مرتكب الجريمة بدفع تعويض دون ان تنفذ او التفريط في مكاسبه وهو تنقيح من شأنه ان يحقق عدالة جزائية يطمح لها المتقاضي خاصة بعد ما عرفته بلادنا من تحولات هامة فرضتها الثورة المباركة .

7- اقرار الخطا البين في المادة الجزائية و مراجعة القرارات والاحكام :
اضافة لعديد النصوص القانونية التي يجب على المشرع ان ينقحها كما سلف فانه مطالب باقرار الحق في الطعن بالخطا البين في الاحكام الجزائية سواء كان الطاعن المتهم او القائم بالحق الشخصي علاوة على وجوب تكريس الحق في مراجعة الاحكام والقرارات وهو ما يتضح مما يلي :

أ- نقض الاحكام والقرارات التي لا رجوع فيها وفقا لاحكام الفصل 484 من م ا ع :
وذلك بما يقر الحق في مراجعة الاحكام الباطلة وفق ما نص عليه الفصل 484 من م ا ع متى انبنت على غلط حسي خاصة وان بعض المحاكم لازالت الى حد الان تصد الباب وترفض التوسع في الحق في نقض الاحكام المذكورة. ( [13] )

ب- اقرار الحق في مراجعة القرارات التعقيبية والتوسع في احكام الفصل 192 من م م م ت :
وذلك بتكريس الحق في تصحيح القرارات التعقيبية للخطا البين المنصوص عليه بالفصل 192 من م م م ت الذي عدد حالات الخطا البين الذي قد تقع فيه دائرة من دوائر محكمة التعقيب كما يلي :
1-  اذا بني قرار الرفض شكلا على غلط واضح
2- اذا اعتمد القرار نصا قانونيا سبق نسخه او تنقيحه بما يصيره غير منطبق
3- متى شارك في القرار من سبق منه النظر في الموضوع .
وحري بالمشرع احداث هيئة قضائية عليا بمحكمة التعقيب للنظر في الاخطاء البينة في الاصل التي قد تقع فيها دائرة من دوائر محكمة التعقيب سواء كانت دائرة مدنية او جزائية .
   ج- الخطا البين في المادة الجزائية ( حق يجب تكريسه ):
على المشرع ان يقر بنص صريح الحق في الطعن للخطا البين في المادة الجزائية احتراما لحقوق المتقاضي في محاكمة عادلة اذ لا مبرر مطلقا ان يقره في المادة المدنية وينكره في المادة الجزائية. وعلى المشرع كما سلف ايجاد مخرج قانوني لاخطاء بينة قد تقع فيها محكمة التعقيب برفض الطعن شكلا وفي انتظار ذلك فإن دوائرها المجتمعة ملزمة بالبت في الخطأ البين حتى و ان كان في المادة الجزائية.
وفي الحقيقة فان استحقاقات الثورة التي تكرس حقوق الانسان تلزم المرفق القضائي بايصال الحقوق الى اصحابها بالسعي الى ذلك حتى وان لزم الامر بالتوسع في تفسير النص القانوني فالقاعدة القانونية جعلت من اجل المتقاضي ودعم حقوقه ولا يتصور ان تكون حجرة عثرة تقف دونه وحقوقه .

نخلص الى القول من خلال ما تقدم ان اقصاء الحق في الطعن بالخطأ البين في الاحكام الجزائية في حاجـة لمراجعـة من قبل محكمة التعقيب. و نأمل ان تجسد ذلك قريبا في قرار مبدئي ينهي الجدل في شأنه. ولعل المشرع امام تباين قرارات محكمة التعقيب مدعو حتما الى سن نص اجرائي يخول ذلك صراحة لما فيه من ضمانات للطاعن فالتيسير عليه في الاجراء يعطي نص القانون قيمته و نجاعته و جدواه .

ختامـــــــــــــــــــــــــــــــــا نقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــول :
ان استحقاقات الثورة عديدة ويضيق المجال عن التعرض لها هنا جميعا وما يجب على المشرع التفكير فيه هو مراجعة المنظومة التشريعية والقضائية حتى تتكامل بما يكفل حقوق الانسان والحريات العامة وبما ينصف المتقاضي بصفة خاصة سواء كان متضررا او متهما او قائما بالدعوى او طاعنا في اجراء صدر ضده دون تقييد ذلك بعوائق اجرائية قد تغوص في شكلية مقيتة لا نجد لها مبررا وتتعارض مع شروط نجاعة القاعدة القانونية. علاوة على ذلك فان النص القانوني الذي يتعسف في حق المتقاضي لا يمكن ان يعد الا مسا بحق المتقاضي في محاكمة عادلة تتوفر فيها له كافة الضمانات.



[1]  يقول بعضهم ان عمومية القاعدة القانونية لا يعني انها تنطبق بصفة مطلقة على الناس كافة بل انها تتحدد من حيث الاشخاص كما تتحدد من حيث المكان والزمان – توفيق حسن فرج  : المدخل للعلوم القانونية الدار الجامعية بيروت لبنان 1993 ص 20 .

[2]  جاء بذلك الفصل : يتعين عرض كل صعوبة تنشا بين المؤجر والعملة من شانها ان تثير نزاع شغل جماعي على اللجنة الاستشارية للمؤسسة قصد ايجاد حلول لها ترضي طرفي النزاع.
واذا لم يتم فض الخلاف داخل المؤسسة يقع عرضه وجوبا من قبل اكثر الطرفين حرصا على المكتب الجهوي للتصالح وعند التعذر على تفقدية الشغل المختصة ترابيا .
[3]  ورد بالفصل المذكور : اذا لم يرض الحل المقترح من اللجنة الجهوية او اللجنة المركزية للتصالح احد الطرفين فانه يمكن لهما الاتفاق كتابيا على عرض النزاع على التحكيم  .
[4]  قرار تعقيبي مدني عدد45664 صادر عن الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب ، مجموعة قرارات محكمة التعقيب لسنة 1996 ص 16 – 17 – 18.
[5]  ورد بالفصل الاول من ذلك القانون :
Les vols commis à force ouverte ou par violence , sur les routes et voies publiques, ceux commis dans les maisons habitées, avec effraction extérieure ou escalade, seront ; à dater de la publication de la présente loi  punis de mort .
كما ورد بالفصل الثاني من نفس القانون :
Ceux qui seront convaincus d’avoir attaqué, sur les routes et vois publiques, soit les voitures publique de terre ou d’eau, soit les courriers de la poste ou leurs malles, soit les courriers porteurs des dépêches du gouvernements, ou des ministres , ou des autorités constituées ou des généraux, soit les voyageurs, seront punis de la même peine, lorsqu’ il apparaitra par  les circonstances du fait, que ces attaques ont eu lieu dans le dessein d’assassiner, ou de voler, ou d’enlever les lettres, papiers ou dépêches, lors même que l’assassinat , le vol l’enlèvement n’auront pas été consommés  .
[6]  راجع حول ذلك عبد الهادي عباس حقوق الانسان الجزء الاول دار الفاضل دمشق سوريا 1995 ص 286
[7]  قرار تعقيبي جزائي عدد 27971 مؤرخ في 01 جوان 1988 نشرية محكمة التعقيب لسنة 1988 القسم الجزائي ص 180
[8]  نقح الفصل المذكور واضحت الدائرة الجبائية هي المختصة بالنظر في دعاوي الابطال المسلطة على الاعلامات واعمال التبليغ المحررة من قبل مصالح الجبائية بالقانون عدد 70 لسنة 2007 المؤرخ في 27 ديسمبر 2007 المتعلق بقانون المالية لسنة 2008 .
[9]  ما يجب الاشارة اليه ان الطعن بالابطال في استدعاء يظل من اختصاص المحكمة المتعهدة بالنزاع عملا بالقاعدة الاصولية القائلة بان قاضي الاصل هو قاضي الدفع وهو امر استقر عليه فقه القضاء اذ تقول محكمة التعقيب : طلب ابطال عريضة الدعوى لا يكون الا لدى القاضي او المحكمة المنشورة لديها القضية ضرورة ان قاضي الدعوى هو قاضي الدفع وبالتالي فان ابطال عريضة الدعوى من لدن محكمة اخرى ينجر عنه حتما خرق مبدا اتصال القضاء وبالرجوع في الحكم بوسيلة طعن لم يأت بها القانون ( قرار تعقيبي مدني عدد 35823 مؤرخ في 05/04/1995 نشرية محكمة التعقيب لسنة 1995 ص 50 ).
[10] - صدر المرسوم عدد 30 لسنة 2011 مؤرخ في 26/04/2011 متعلق بالعفو العام في جريمة اصدار صك دون رصيد
[11] - جاء بذلك الفصل : تستخلص الخطية والمصاريف لصندوق الدولة من مكاسب المحكوم عليه وعند الاقتضاء عن طريق الجبر بالسجن او العمل لفائدة المصلحة العامة بطلب من المعني بالامر يقدم للنيابة العمومية
كما جاء بالفقرة الاولى من الفصل 344 من نفس المجلة : ينفذ الجبر بالسجن بحساب يوم واحد عن كل ثلاثة دنانير او جزء الثلاثة دنانير على ان لا تزيد مدته على عامين .
[12]  قرار عدد 26720.2002 صادر بتاريخ 24 افريل 2003 و قد وردت به المبادئ المذكورة التي تتطابق مع ما نص عليه القرارعدد 10927 الصادر عن الدوائر المجتمعة بتاريخ 25 اكتوبر2001 .
[13]  راجع في ذلك دراستنا : نقض الاحكام القضائية التي لا رجوع فيها : منشور "بخمسون عاما من فقه القضاء المدني"، مركز النشر الجامعي تونس 2010 ص 1229 .

1 commentaire: